الشركة في الصلاة
مع القديسين
الكنيسة تصلِّي من أجل كل المؤمنين الذين ماتوا في الإيمان، وتطلب لهم غفران الخطايا. لأنه ليس إنسان بلا خطية، «ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض» (سفر أيوب 14: 5 –الترجمة السبعينية)، «إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضلُّ أنفسنا وليس الحق فينا»
(1يو 1: . لذلك، فمهما كان الإنسان بارّاً، فإنه حينما ينتقل من هذا
العالم، فإن الكنيسة تُشيِّعه بالصلاة من أجله إلى الرب، على نسق صلاة
القديس بولس من أجل تلميذه ”أُنيسيفوروس“: «ليُعْطِهِ الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم (يوم الدينونة)» (2تي 1: 18).
وفي الوقت نفسه، فإن صوت الكنيسة المشترك يشهد لبرِّ
الإنسان المنتقل، إن كان باراً، فإن المؤمنين المسيحيين يتعلَّمون من
قدوته الحسنة في حياته، ويضعونه كنموذج للاقتداء به.
وحينما يتوفر الإجماع على الاعتراف بقداسة أحد المنتقلين،
ويتثبَّت هذا الإجماع بالشهادات الخاصة، مثل استشهاده، أو اعترافه
بالإيمان بلا خوف، أو بذل ذاته من أجل خدمة الكنيسة، أو نواله موهبة
الشفاء، وعلى الأخص إذا تأكَّدت هذه المواهب بحدوث معجزات بعد موته، نتيجة
الصلوات بالتشفُّع به؛ حينئذ تُعلن الكنيسة قداسته بإجراءات خاصة. وكيف لا
تُطوِّب الكنيسة مثل هؤلاء، الذين دعاهم الرب نفسه «أحبَّاء» له: «أنتم أحبائي... قد سمَّيتُكم أحبَّاء» (يو 15: 15،14)؟ هؤلاء الذين يقبلهم الرب في مساكنه السماوية الأبدية، إيفاءً لوعده الإلهي: «حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3).
فإذا حدث هذا (تطويب أحد القديسين وإعلان قداسته)، فإن
الشركة معه لن تكون بطلب غفران خطاياه، بل تتحوَّل إلى مظاهر أخرى من
الشركة معه، مثل: 1. مدح جهاداته التي أكملها في المسيح، لأنه «لا يوقِدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيُضيء لجميع الذين في البيت»
(مت 5: 15)؛ 2. رفع التوسُّلات إليه أن يُصلِّي من أجلنا من أجل مغفرة
خطايانا، ومن أجل تكميل جهادنا وسعينا نحو السماء، وحتى يُعيننا في
احتياجاتنا الروحية وأوقات أحزاننا.
لقد صار صوت من السماء للقديس يوحنا الرائي: «اُكتُب: طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن، نعم يقول الروح، لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم» (رؤ 14: 13).
كما صلَّى المسيح لأبيه السماوي: «وأنا قد أعطيتُهم المجد الذي أعطيتني» (يو 17: 22). كما قال المخلِّص أيضاً: «مَن يقبل نبيّاً... فأجر نبي يأخذ. ومَن يقبل بارّاً... فأجر بار يأخذ» (مت 10: 41)، «لأن مَن يصنع مشيئة أبي الذي في السموات، هو أخي وأُختي وأُمي»
(مت 12: 45). لذلك، فيجب أن نقبل الإنسان البار، لأنه بارٌّ. فإن كان هذا
الإنسان البار أخاً للرب، فهو يصير لنا أيضاً أخاً. فالقديسون هم آباؤنا
وأُمهاتنا، وإخوتنا وأخواتنا، ومحبتنا لهم نُعبِّر عنها بالشركة معهم في
الصلاة.
يكتب القديس يوحنا الرسول إلى المسيحيين: «الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح» (1يو 1: 3).
وشركتنا مع الرسل في الكنيسة لا تتوقف، فهي تصعد إليهم في
المجال السماوي الذي يحيون فيه. إنَّ قُرب القديسين من عرش الحَمَل،
وصلواتهم المرفوعة من أجل الكنيسة على الأرض، سجَّلها القديس يوحنا الرائي
اللاهوتي في رؤياه: «والأربعة
والعشرون شيخاً... لهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوَّة بخوراً هي
صلوات القديسين... ونظرتُ وسمعتُ صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات
والشيوخ، وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف» يُسبِّحون الرب (رؤ 5: 11،.
إن الشركة في الصلاة مع القديسين هي تحقيق لحقيقة الرباط
بين المسيحيين على الأرض والكنيسة السماوية التي يتكلَّم عنها الرسول بولس
قائلاً: «بـل قد أتيتم إلى
جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل
ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات، وإلى الله ديَّان الجميع، وإلى
أرواح أبرار مُكمَّلين، وإلى وسيط العهد الجديد: يسوع، وإلى دم رشٍّ
يتكلَّم أفضل من (دم) هابيل» (عب 12: 22-24).
أمثلة من الكتاب المقدس،عن رؤى القديسين:
تذكر الأسفار المقدسة أمثلة عديدة لحقيقة هامة، وهي أن
الأبرار حتى وهم ما زالوا عائشين على الأرض، يمكنهم أن يروا ويسمعوا
الكثير مما لا يمكن لعامة المؤمنين أن يروه ويسمعوه. ولا شك أن كل هذه
المواهب ستكون حاضرة معهم حينما يخلعون هذا الجسد وينتقلون إلى السماء.
فقد رأى القديس بطرس الرسول ما في قلب حنانيا الذي اختلس من ثمن الحقل
وكذب على القديس بطرس (أع 5: 3). واستُعلِن لأليشع النبي عن العمل البشع
الذي أتاه خادمه جيحزي (الملوك الثاني 1: 4).
والقديسون، حتى وهم ما زالوا على الأرض، يملأ الروح قلوبهم
فيطَّلعوا على خفايا العالم العلوي، وبعضهم يرى جوقات الملائكة، وآخرون
أُعطوا النعمة لأن يروا صوراً لله (مثل إشعياء النبي وحزقيال النبي)، وآخر
صعد إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا يُنطق بها (وهو القديس بولس
الرسول). فهؤلاء وأمثالهم حينما ينتقلون إلى السماء يصيرون قادرين على
معرفة ما يحدث على الأرض، ويسمعون الذين يتشفَّعون بهم، ذلك لأن القديسين
في السماء يصيرون «مثل الملائكة» (لو 20: 36).
ومن المَثَل الذي سرده الرب عن الغني ولعازر (لو 16:
19-31)، نعرف أن إبراهيم وهو في السماء، استطاع أن يسمع صراخ الرجل الغني
الذي كان يتألم في الجحيم، بالرغم من ”الهُوَّة العظيمة“ التي تفصل
بينهما. وكلمات إبراهيم عن إخوة الرجل الغني «عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم»،
تشير بوضوح إلى أن إبراهيم يعرف كيف يعيش اليهود في ذلك الوقت حتى بعد
مماته. إن الرؤيا الروحية لنفوس الأبرار وهم في السماء، لا شكَّ هي أقوى
وأوضح مما كانت عليه وهم على الأرض. ويقول القديس بولس الرسول عن هذا: «فإننا ننظر الآن في مرآة، في لُغز، لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عُرفتُ» (1كو 13: 12).
استدعاء القديسين:
والكنيسة المقدسة دائماً ما كانت تُقدِّم التعليم باستدعاء
القديسين، وهي مقتنعة تماماً بأنهم يتوسَّلون من أجلنا أمام الله في
السماء. وهذا ما نراه ونسمعه في صلوات القداس الإلهي (مجمع القديسين):
”لأن هذا، يا رب، هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك في تذكار قديسيك...
وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حين، والدة الإله القديسة
الطاهرة مريم، التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة... هؤلاء الذين بسؤالاتهم
وطلباتهم ارحمنا كلنا معاً، وانقذنا من أجل اسمك القدوس الذي دُعِيَ
علينا“. كما يذكر أيضاً القديس كيرلس الأورشليمي: ”ثم نذكر (في تقدمة
الذبيحة غير الدموية) أولئك الذين سبقوا وانتقلوا، وأولاً البطاركة
والأنبياء والرسل والشهداء، لكي بصلواتهم وتشفُّعاتهم يقبل الله
توسُّلاتنا“ (وهي تُقابل الترحيم الذي يُقال في قدَّاسات الكنيسة القبطية).
شهادات من آباء الكنيسة:
وما أكثر شهادات آباء ومُعلِّمي الكنيسة الأبرار، وعلى
الأخص أولئك الذين من القرن الرابع وما بعده، عن تكريم الكنيسة للقديسين؛
بل وحتى من بداية القرن الثاني، هناك إشارات في الكتابات المسيحية بخصوص
الإيمان في صلوات القديسين في السماء من أجل إخوتهم على الأرض. وكمَثَل
لذلك: فإن شهود استشهاد القديس إغناطيوس الثيئوفوروس (الحامل الله)، وهو
من قدِّيسي بداية القرن الثاني الميلادي، يقولون: ”وإذ رجعنا إلى بيوتنا
والدموع في أعيننا، سهرنا الليلة كلها. ثم بعد نومٍ لمدة قصيرة، شاهد
البعض منا فجأة المطوَّب إغناطيوس واقفاً وهو يحتضننا، وآخرون أيضاً رأوه
يُصلِّي من أجلنا“. وهناك تقارير تشير إلى الصلوات والتشفُّعات من أجلنا
التي يرفعها الشهداء القديسون، وهذه نجدها في سِيَر الشهداء في عصر
الاضطهاد الروماني ضد المسيحيين.
+ هكذا نرى شركة الصلاة بين كنيسة المنتصرين في
السماء وكنيسة المجاهدين على الأرض، شركة حيَّة متبادلة بين الكنيستين،
وحتى مشتركة معاً أثناء الليتورجية المقدسة لرفع القرابين. فالكنيسة شركة
بين العالمَيْن العلوي والأرضي في الصلوات من أجل المجاهدين، والتشفُّعات
التي يرفعها أمام العرش الإلهي المنتصرون الغالبون.
مع القديسين
الكنيسة تصلِّي من أجل كل المؤمنين الذين ماتوا في الإيمان، وتطلب لهم غفران الخطايا. لأنه ليس إنسان بلا خطية، «ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض» (سفر أيوب 14: 5 –الترجمة السبعينية)، «إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضلُّ أنفسنا وليس الحق فينا»
(1يو 1: . لذلك، فمهما كان الإنسان بارّاً، فإنه حينما ينتقل من هذا
العالم، فإن الكنيسة تُشيِّعه بالصلاة من أجله إلى الرب، على نسق صلاة
القديس بولس من أجل تلميذه ”أُنيسيفوروس“: «ليُعْطِهِ الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم (يوم الدينونة)» (2تي 1: 18).
وفي الوقت نفسه، فإن صوت الكنيسة المشترك يشهد لبرِّ
الإنسان المنتقل، إن كان باراً، فإن المؤمنين المسيحيين يتعلَّمون من
قدوته الحسنة في حياته، ويضعونه كنموذج للاقتداء به.
وحينما يتوفر الإجماع على الاعتراف بقداسة أحد المنتقلين،
ويتثبَّت هذا الإجماع بالشهادات الخاصة، مثل استشهاده، أو اعترافه
بالإيمان بلا خوف، أو بذل ذاته من أجل خدمة الكنيسة، أو نواله موهبة
الشفاء، وعلى الأخص إذا تأكَّدت هذه المواهب بحدوث معجزات بعد موته، نتيجة
الصلوات بالتشفُّع به؛ حينئذ تُعلن الكنيسة قداسته بإجراءات خاصة. وكيف لا
تُطوِّب الكنيسة مثل هؤلاء، الذين دعاهم الرب نفسه «أحبَّاء» له: «أنتم أحبائي... قد سمَّيتُكم أحبَّاء» (يو 15: 15،14)؟ هؤلاء الذين يقبلهم الرب في مساكنه السماوية الأبدية، إيفاءً لوعده الإلهي: «حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3).
فإذا حدث هذا (تطويب أحد القديسين وإعلان قداسته)، فإن
الشركة معه لن تكون بطلب غفران خطاياه، بل تتحوَّل إلى مظاهر أخرى من
الشركة معه، مثل: 1. مدح جهاداته التي أكملها في المسيح، لأنه «لا يوقِدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة، فيُضيء لجميع الذين في البيت»
(مت 5: 15)؛ 2. رفع التوسُّلات إليه أن يُصلِّي من أجلنا من أجل مغفرة
خطايانا، ومن أجل تكميل جهادنا وسعينا نحو السماء، وحتى يُعيننا في
احتياجاتنا الروحية وأوقات أحزاننا.
لقد صار صوت من السماء للقديس يوحنا الرائي: «اُكتُب: طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن، نعم يقول الروح، لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم» (رؤ 14: 13).
كما صلَّى المسيح لأبيه السماوي: «وأنا قد أعطيتُهم المجد الذي أعطيتني» (يو 17: 22). كما قال المخلِّص أيضاً: «مَن يقبل نبيّاً... فأجر نبي يأخذ. ومَن يقبل بارّاً... فأجر بار يأخذ» (مت 10: 41)، «لأن مَن يصنع مشيئة أبي الذي في السموات، هو أخي وأُختي وأُمي»
(مت 12: 45). لذلك، فيجب أن نقبل الإنسان البار، لأنه بارٌّ. فإن كان هذا
الإنسان البار أخاً للرب، فهو يصير لنا أيضاً أخاً. فالقديسون هم آباؤنا
وأُمهاتنا، وإخوتنا وأخواتنا، ومحبتنا لهم نُعبِّر عنها بالشركة معهم في
الصلاة.
يكتب القديس يوحنا الرسول إلى المسيحيين: «الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح» (1يو 1: 3).
وشركتنا مع الرسل في الكنيسة لا تتوقف، فهي تصعد إليهم في
المجال السماوي الذي يحيون فيه. إنَّ قُرب القديسين من عرش الحَمَل،
وصلواتهم المرفوعة من أجل الكنيسة على الأرض، سجَّلها القديس يوحنا الرائي
اللاهوتي في رؤياه: «والأربعة
والعشرون شيخاً... لهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوَّة بخوراً هي
صلوات القديسين... ونظرتُ وسمعتُ صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات
والشيوخ، وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف» يُسبِّحون الرب (رؤ 5: 11،.
إن الشركة في الصلاة مع القديسين هي تحقيق لحقيقة الرباط
بين المسيحيين على الأرض والكنيسة السماوية التي يتكلَّم عنها الرسول بولس
قائلاً: «بـل قد أتيتم إلى
جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل
ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات، وإلى الله ديَّان الجميع، وإلى
أرواح أبرار مُكمَّلين، وإلى وسيط العهد الجديد: يسوع، وإلى دم رشٍّ
يتكلَّم أفضل من (دم) هابيل» (عب 12: 22-24).
أمثلة من الكتاب المقدس،عن رؤى القديسين:
تذكر الأسفار المقدسة أمثلة عديدة لحقيقة هامة، وهي أن
الأبرار حتى وهم ما زالوا عائشين على الأرض، يمكنهم أن يروا ويسمعوا
الكثير مما لا يمكن لعامة المؤمنين أن يروه ويسمعوه. ولا شك أن كل هذه
المواهب ستكون حاضرة معهم حينما يخلعون هذا الجسد وينتقلون إلى السماء.
فقد رأى القديس بطرس الرسول ما في قلب حنانيا الذي اختلس من ثمن الحقل
وكذب على القديس بطرس (أع 5: 3). واستُعلِن لأليشع النبي عن العمل البشع
الذي أتاه خادمه جيحزي (الملوك الثاني 1: 4).
والقديسون، حتى وهم ما زالوا على الأرض، يملأ الروح قلوبهم
فيطَّلعوا على خفايا العالم العلوي، وبعضهم يرى جوقات الملائكة، وآخرون
أُعطوا النعمة لأن يروا صوراً لله (مثل إشعياء النبي وحزقيال النبي)، وآخر
صعد إلى السماء الثالثة وسمع كلمات لا يُنطق بها (وهو القديس بولس
الرسول). فهؤلاء وأمثالهم حينما ينتقلون إلى السماء يصيرون قادرين على
معرفة ما يحدث على الأرض، ويسمعون الذين يتشفَّعون بهم، ذلك لأن القديسين
في السماء يصيرون «مثل الملائكة» (لو 20: 36).
ومن المَثَل الذي سرده الرب عن الغني ولعازر (لو 16:
19-31)، نعرف أن إبراهيم وهو في السماء، استطاع أن يسمع صراخ الرجل الغني
الذي كان يتألم في الجحيم، بالرغم من ”الهُوَّة العظيمة“ التي تفصل
بينهما. وكلمات إبراهيم عن إخوة الرجل الغني «عندهم موسى والأنبياء ليسمعوا منهم»،
تشير بوضوح إلى أن إبراهيم يعرف كيف يعيش اليهود في ذلك الوقت حتى بعد
مماته. إن الرؤيا الروحية لنفوس الأبرار وهم في السماء، لا شكَّ هي أقوى
وأوضح مما كانت عليه وهم على الأرض. ويقول القديس بولس الرسول عن هذا: «فإننا ننظر الآن في مرآة، في لُغز، لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عُرفتُ» (1كو 13: 12).
استدعاء القديسين:
والكنيسة المقدسة دائماً ما كانت تُقدِّم التعليم باستدعاء
القديسين، وهي مقتنعة تماماً بأنهم يتوسَّلون من أجلنا أمام الله في
السماء. وهذا ما نراه ونسمعه في صلوات القداس الإلهي (مجمع القديسين):
”لأن هذا، يا رب، هو أمر ابنك الوحيد أن نشترك في تذكار قديسيك...
وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حين، والدة الإله القديسة
الطاهرة مريم، التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة... هؤلاء الذين بسؤالاتهم
وطلباتهم ارحمنا كلنا معاً، وانقذنا من أجل اسمك القدوس الذي دُعِيَ
علينا“. كما يذكر أيضاً القديس كيرلس الأورشليمي: ”ثم نذكر (في تقدمة
الذبيحة غير الدموية) أولئك الذين سبقوا وانتقلوا، وأولاً البطاركة
والأنبياء والرسل والشهداء، لكي بصلواتهم وتشفُّعاتهم يقبل الله
توسُّلاتنا“ (وهي تُقابل الترحيم الذي يُقال في قدَّاسات الكنيسة القبطية).
شهادات من آباء الكنيسة:
وما أكثر شهادات آباء ومُعلِّمي الكنيسة الأبرار، وعلى
الأخص أولئك الذين من القرن الرابع وما بعده، عن تكريم الكنيسة للقديسين؛
بل وحتى من بداية القرن الثاني، هناك إشارات في الكتابات المسيحية بخصوص
الإيمان في صلوات القديسين في السماء من أجل إخوتهم على الأرض. وكمَثَل
لذلك: فإن شهود استشهاد القديس إغناطيوس الثيئوفوروس (الحامل الله)، وهو
من قدِّيسي بداية القرن الثاني الميلادي، يقولون: ”وإذ رجعنا إلى بيوتنا
والدموع في أعيننا، سهرنا الليلة كلها. ثم بعد نومٍ لمدة قصيرة، شاهد
البعض منا فجأة المطوَّب إغناطيوس واقفاً وهو يحتضننا، وآخرون أيضاً رأوه
يُصلِّي من أجلنا“. وهناك تقارير تشير إلى الصلوات والتشفُّعات من أجلنا
التي يرفعها الشهداء القديسون، وهذه نجدها في سِيَر الشهداء في عصر
الاضطهاد الروماني ضد المسيحيين.
+ هكذا نرى شركة الصلاة بين كنيسة المنتصرين في
السماء وكنيسة المجاهدين على الأرض، شركة حيَّة متبادلة بين الكنيستين،
وحتى مشتركة معاً أثناء الليتورجية المقدسة لرفع القرابين. فالكنيسة شركة
بين العالمَيْن العلوي والأرضي في الصلوات من أجل المجاهدين، والتشفُّعات
التي يرفعها أمام العرش الإلهي المنتصرون الغالبون.